قراءة في برنامج الرئيس غزواني (1/6) / محمد افو

بين “تعهداتي” و “طموحي للوطن”

 

لا شيء أكثر قدرة على تعزيز الغرور أكثر من اعتقاد الأهلية اللازمة للقيادة من خلال التصورات النظرية .

 

وسنشعر بالتوتر المنطقي حين نفكر في سواسية الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية في الوقت الذي نجتهد كثيرا في وضع المعايير الكافية لفرز موظف عادي في إدارة عادية ( شروط ومعايير ، ثم مسابقات ، ثم مقابلات ، ومن ثم يتم اختيار نخبة النخبة ).

 

لكن الدساتير تفكر دائما بعقل الأمة ، أي أنها توسع صلاحية وضع المعايير والاختيار من اللجان الضيقة إلى الشعب عموما .

 

ولهذا المنطق تداعيات قد تكون خطيرة حين لا يفهم عامة الناس حجم المسؤولية الملقاة عليهم يوم الاقتراع باعتبار أن كل فرد منهم هو عضو في لجنة مسؤولة حصريا عن اختيار الأكفأ .

 

 

 

فقد منحت أنضج الدساتير حق الترشح لمرة ثانية لسببين وجيهين يتعلق أولهما بقصر المأمورية الواحدة زمنيا ، مقارنة بالعمر المنطقي لبرامج الإصلاح ، لكن الخوف من فساد الحكام جعل الفاصل بين المأموريتين أداة تأمين تراجع فيها الشعوب صلاحية أداء الحكومات والأنظمة .

 

أما السبب الثاني فيتعلق باستغلال الخبرات المكتسبة في إدارة الدولة من خلال المأموريات الأول .

 

 

 

وانطلاقا من المعيار الأخير سأقوم بقراءة مقارنة بين برنامجي ” تعهداتي” 2019 و “طموحي للوطن” 2024 ، لملاحظة الفارق بين المرشح 2019 والمرشح 2024 بغية تسليط الضوء على بعض المؤشرات المتعلقة بما حدث من تطور في شخصية وإرادة الرجل .

 

 

 

فمن حيث الحجم خرج برنامج “طموحي للوطن” ضعف برنامج “تعهداتي” ( 94 صفحة مقابل 52 صفحة ) وهو ما يحيل إلى نقاط مهمة حسب المقارنة بين المحتويين :

 

1. أولا : كان برنامج تعهداتي أكثر تحفظا في مناقشة التفاصيل واكتفى بالحديث عن التصورات العامة دون تفصيلات هيكلية دقيقة ، وهو ما ظهر بشكل مختلف في برنامج “طموحاتي” الذي تم تأسيسه على البعد الاستراتيجي المفصل هيكليا .

 

اقتضى النهج الأول تكليف الحكومة بوضع الخطط والبرامج والبدء في تنفيذها وفق صلاحيات موسعة مقيدة فقط بانسجام العمل الحكومي مع التصور العام لبرنامج “تعهداتي” ، وهو أسلوب يتحمل فيه الرئيس عبء الرقابة وفق معيار ومسطرة الالتزام بالبرنامج العام دون الدخول أو التدخل في التفاصيل اليومية للعمل الحكومي ، بينما تتحول مسؤولية المتابعة التفصيلية إلى الوزير الأول لربط الأداء بالجدول الزمني وهو النهج الذي تم تجاوزه نسبيا في السنوات الأخيرة من المأمورية إذ اتضح شيئا فشيئا أن الرئيس وجد نفسه في خضم وحيثيات تقتضي المشاركة في التخطيط والمتابعة التفصيليين .

 

أما الطريقة التي صمم بها برنامج “طموحي للوطن” فيمكن من خلالها تأكيد اطلاع الرئيس على كل التفاصيل المتعلقة بوضع الخطط وتسيير الأداء وتراكم المعارف والخبرات ( قد ينتج عنها تغيير استراتيجية التكليف الحكومي مع الصلاحيات الواسعة في المأمورية الثانية) .

2. ثانيا : اتضح من خلال قاموس برنامج “طموحاتي” توسع كبير في استخدام المصطلحات الحديثة فقد تعزز هذا البرنامج بالقاموس المكثف للاقتصاد و المنظمات الدولية .

وهو ما يدل على انفتاح أكبر لبرنامج “طموحي” عن نظيره في 2019 ، إذ من الواضح أن الاستراتيجيات الجديدة تم تصميمها وفق رؤية أكثر حرصا على تنمية وتعزيز الشراكات الدولية .

ويحيل هذا القاموس و الأسلوب أيضا إلى أن برنامج ” طموحي” كتب كأداة التزام موجهة للداخل والخارج معا .

وبالمقارنة بين هذا القاموس وقاموس “تعهداتي” سنلاحظ أن برنامج تعهداتي قد اكتفى نسبيا بقاموس مبسط موجه داخليا للشعب .

3. كان برنامج “طموحي” موسعا ومتناسقا من حيث العلاقة بين ثلاث مستويات هيكلية إذ تتناسق الاستراتيجيات العامة ضمن الرؤية السياسية للرئيس ، وتتناسق مقترحات البرامج ضمن الاستراتيجيات الناظمة لها .

وهذا الترابط الهيكلي لم يكن بذات الحد في برنامج “تعهداتي” ربما للأسباب التي تطرقنا لها سابقا فيما يتعلق بترك التفاصيل ضمن صلاحيات واجتهادات المكلفين ( الحكومة).

 

 

هذا عن أوجه الاختلاف ، أما أوجه التشابه فقد جاءت كالتالي :

1. في البرنامجين كانت الرؤية في كل المحاور مركزة على ثلاثة قضايا أساسية من الواضح أنها تشكل قناعة راسخة لدى الرئيس وهي :

 

• البرامج الموجهة للفئات الهشة والمغبونة

 

• الاستقرار

 

• الوحدة الوطنية

 

وتجلت في البرنامجين سمة الواقعية المصرح عنها ، مع تميز برنامج “طموحي” بمقدمات راصدة لكل الاختلالات التي شكلت عائقا أمام بعض طموحات الشعب ومنتظراته بعيدا عن ما تم التعهد به في المأمورية المنصرمة .

 

أما متن النص فمن الواضح أن من كتبه هو الرئيس نفسه إذ لم يكتب بنفس سياسي كما هو المعتاد في البرامج الانتخابية .

 

فقد كانت اللغة مكتنزة لمشاعر أبوية صريحة وصادقة ومكاشفة ، يصعب معها اعتقاد أن الرئيس قد استعان بمعاونين في كتابتها .

 

 

 

في المحصلة النهائية من الواضح أن الرئيس الذي كتب برنامج “طموحي” هو أكثر إصرار وقدرة واطلاعا وتجربة ، وأن برنامج 2024 أكثر قوة وتماسكا وشمولا واتساعا من سابقه في 2019 .

 

 

 

*تنبيه : سأكتب تباعا خمس مقالات تتعلق كل واحدة منها برافعة من الرافعات الخمس في برنامج الرئيس غزواني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى